Translate

السبت، 23 أغسطس 2014

ابوعركي, عفاف الصادق وكيس القروش


معظم الرسائل التي وردتني تعقيبا علي موضوع (ابوعركي البخيت) الذي كتبته في الراكوبه بتاريخ 2 فبراير 2014 تحمل نفس السمات. حبها الدفاق للانسان الملائكي عركي, حسرتها لعدم الاستمتاع باغانيه علي القنوات الفضائيه واحساسها بالذنب لانهم لا يستطيعون ان يفعلوا شيئا حيال ذلك. ومن بين الرسائل وجدت رسالة خجولة اجبرتني علي قراءتها اكثر من مرة. الرسالة من الاخ عادل عثمان عوض جبريل والذي كان يسكن خلف منزلنا في ودنوباوي.  المنزل الذي عرفه اولاد الحله بعربة ابوعركي الاوبل البنيه. ولتلك العربه قصة. فقد احضرها عركي معه من المانيا في احدي رحلاته الخارجيه, وقد حكي لي انه قبل ان يشتريها كانت تقف في موقف للسيارات وزجاجها مغطي بالجليد. فقام بكتابة (احب عفاف الصادق) في الزجاج الامامي. حكي لي تلك الواقعه بصدق طفولي.  وقد كانت تلك العربه حبيبه الي نفسه ونفسي لاننا كنا مع نهايه السبعينينات نعيش فيها اكثر من المنزل بجلوسنا الساعات الطوال داخلها ايام صفوف البنزين ومعاناتها المعروفه لابناء جيلنا. ولكن ماكان يخفف علي نفسي, دندنة عركي فرحا باغنية (واحشني) الجديده.  الاخ عثمان وهو قاص, ارسل لي احد كتبه القيمه كهديه لتكتمل بركات عركي علينا.

سبب استرسالي في حكايات عركي ان بعض الاخوه, وبعد قراءتهم لمقالي الاول طالبوني (بحكم  علاقتي الوطيده معه في تلك الفتره) ان اواصل قدر مااستطيع سرد لكل الحكايا التي اتذكرها عن تلك الفتره. فهو بالنسبه لمحبيه مسجون في وسط الصحراء. وقد تمنيت ان يكون عركي هو من يسرد حكاياه في القنوات الفضائيه لان ذلك سيكون سردا ملائكيا واثراءا لتاريخنا الفني ايضا الذي يمثل عركي احد ركائزه. فصديقي موسوعه في الحكايات. والكلمات التي تطلع من فمه موسيقاها لا تقل طربا عن اغانيه.

وتلبية لطلب كل القراء ومحبيه اهدي هذه القصه التي حكاها لي بنفسه ونحن في لحظه استرخاء مهيب نجتث ذكرياتنا الحبيبه الي نفسينا. ربما يكون غيري قد سمعها منه من قبل, ولكن ليس بحلاوتها التي شدتني وجعلت روحي تسبح كرائد فضاء خارج مركبته.

قال لي انه ومع بداية مقاطعته للاجهزه الرسميه, قرر اعتزال الغناء نهائيا فاصبح عاطلا عن العمل. وقد كانت زوجته (عفاف الصادق) تعمل في الاذاعه السودانيه وتتقاضي مرتبا لا يكفي لتغطيه ضروريات الحياه, وعندما تراهم سويا تحسبهم (اغنياء من التعفف).  كانت ايامه تسير ببطء شديد, وكان كل يوم يذهب بزوجته الي الاذاعه ويقف بعربته تحت الشجره المعروفه باسمه وينتظرها حتي نهاية الدوام فيعودا سويا الي المنزل. ونسبه لان منزل ودنوباوي كان مؤجرا, فقد قرر ان يشيد قطيه في القطعه التي اشتراها في حي الحتانه اعلي الجبل. وقد كانت (الحاتانه) كما كان يسميها بعيده وغير مأهوله بالسكان.

في عصر احد الايام وهو في قطيته الرطبه مؤانسا زوجته بعد يوم عمل شاق,  سمع طرقا بالباب. فقال لي, عندما فتح الباب وجد رجلا يقف امام عربة تاكسي اصفر ويلبس جلبابا متسخا عند مدخل جيوبه . وسأله الرجل: "هل انته ابو عركي البخيت؟" فاجبته. فادخل الرجل يده داخل العربه واخرج كيس ورق  مليئا باوراق نقديه كبيرة القيمه حتي عنقه. فقلت له ماهذا؟ فاجاب الرجل بان هنالك رجل اوقفه في الشارع التاني ووصف له منزلي وطلب منه توصيل هذا الكيس لي.

احتار عركي, ولكن حيرة زوجته كانت اكبر عندما احست وهي بالداخل ان زوجها قد تاخر في الدخول. فجاءت مسرعه الي الباب لتكتمل حيرتهما معا. فحكي لها عركي الحكايه ليقولا للرجل بصوت واحد انهم لا يستطيعون اخذ الكيس لانهم لا يعرفون من ارسله ورغم انهما لا يملكان في تلك اللحظات  سوي فتة سلطه طماطم معجونه بالكسره برعت عفاف في صناعتها. فالتكرار يعلم الاتقان.  وبعد جدال طويل مع الرجل قالت له عفاف ان الرجل مجرد مرسال, فيمكننا اخذ الكيس ومعرفة مرسله لاحقا.

وبعد نقاش طويل تحت القطيه, توصلا الي نتيجه واحده وهي ان الراسل لابد ان يكون صلاح ادريس. فهدأت نفسيهما قليلا وقررا عدم التصرف في الكيس الي ان يلتقيا بصلاح ويسالاه. وبعد فتره ليست بالقصيره والكيس قابعا في مكانه داخل المنزل ليس بعيدا من صحن السلطه, تقابل عركي وصلاح فحلف له الرجل باعز مايملك ان لا علاقه له اطلاقا بهذا الموضوع.  والي هذه اللحظه, لا يعرف عركي اوعفاف, من ارسل الكيس المنتفخ مالا.
اخاف ان ينزلق عركي من بين اصابعنا كما انزلق كل الذين نحبهم, ويصبح بعدها مجرد ذكري نبكي عليها ليل نهار. دعونا نتناسي ولاة الامر فانهم لا يعرفون في (الامر) شيئا. ولنبدا المسير صوب منزله لنقدم له اكياسا من العرفان والموده الخالصه, رغم ان المسيرات ممنوعه في بلدي حتي لو كانت مسيرة حب.

تصويب: انا ياجماعه لابتاع مفوضيه الفساد ولا ولدو. " نحنا بتوع الاتوبيس".

elrazi@hotmail.com

follow me in twitter@elrazi_elrazi


ابوعركي البخيت البخيت



بجانب منتزه ناشونال مول في العاصمه واشنطون اقيم النصب التذكاري لحرب فيتنام. يتكون من جدران مصنوعه من المعدن كتبت عليه في صفوف متراصه اسماء الجنود القتلي والمفقودين في الحرب.  مع نهايه كل اسبوع وفي موسم الاجازات تاتي العائلات التي فقدت محبيها الي الصرح وتقف امام الحائط  المكتوب عليه اسم فقيدها. كم راينا من اجداد واحفاد, ابناء وبنات, زوجات وازواج يمررون اصابعهم بحنو شفيف فوق الاسم فتندلق دموعهم انهارا, كأن مرور الاصبع علي المعدن يوازي عناق الجسد مع الجسد. 

وانا طالب ثانوي في سنتي الاخيره بامدرمان في العام 1974 كنا نسكن معا. ابوعركي وانا. لم يكن الذي يجمعنا سويا المنزل الذي عشنا فيه في ودنوباوي فقط, وانما صلة القربي كانت ايضا تجمع بيننا. اما الحب فذلك شئ اخر. وعندما تقدمت السنين بطيئه وتم قبوله طالبا بمعهد الموسيقي والمسرح كانت تلك ايام الفرح الكبير. فاصبحنا صديقين حميمين يجمعنا الصالون الانيق, والبيانو قابعا بكل شموخ في ركن قصي. وعشنا سويا تفاصيل بخاف, جبل مره, امدرمان, ,عن حبيبتي انا بحكي ليكم وواحشني.

كان عندما يحضر اليه خليل اسماعيل وتبدا مناقشاتهم في الفن (بالنوته)  يدعوني لابداء راي في الاغنيه المنوته, وكنت دائما ماقول لهم بلا وعي انني لا اعرف الفرق ولكن هنالك اغنيه تطربني بغض النظر عن كيفية صناعتها. مالاانساه طعم التانج الذي كان يشتريه من الدكان بمبلغ خرافي عندما اصاب بالملاريا فيجلس بجانبي يغطيني خوفا من زمهريرها والدموع في عينيه.

ومع مرور السنوت الطويله ونحن نبحر في محيطات الحياة كان كل مايجد رقما لي يتصل ويقول بصوت ملائكي (لو كنته ناكر للهوي زيك كنته غفرته ليك) ثم يضع السماعة.

الاسبوع الماضي تقابلنا في مقابر مدني في دافنة شخص عزيز علينا الاثنين. وكعادة اهل مدني, ذهبنا مشيا علي الاقدام الي المقابر. كان يضع يديه في كتفي ويسالني عن كل اصدقائي القدامي فردا فردا. برقته المعهوده. وقفنا امام القبر وصمت مطاطئا راسه. تاملته عن قرب ورايت الحنان والطيبه متدفقتان من علي وجهه واثار السنين تتواري خجلا. وتمنيت في تلك اللحظات ان تعيد الحياه دورتها الي الوراء. .

اليوم, رايت صورته تزين المواقع الالكترونيه امامي في حفل الدوحه, وبدون ان اشعر حجبت دموعي الرؤيا. تذكرت كل لحظه عشناها معا حتي تفاصيل حبه العذري لأمنا الحنون عفاف الصادق. رايت تلك الابتسامه الحانيه تزين شفتيه فاصابتني رعشه مملوءه بالحزن. ياعركي ياخ والله نحنا بنحبك بشكل رهيب.

في السنوات الكالحه الحزينه التي سكنتنا في الماضي, كانت كل اغاني ابوعركي (صرحا معدنيا) كتبت عليه تفاصيل الوطن واشياءه. ونحن فاقدي الهويه كل في منفاه, كانت نبضات قلوبنا تلامس صوته الحنون  فيعزف الناي داخلنا سمفونيه ابديه حزينه شاركت, كل هذه المده الطويله, روحنا دهاليز الجسد.

elrazi@hotmail.com

follow me in twitter@elrazi_elrazi

ياسر عرمان "رجل ميت يمشي" Dead Man walking



وانا في طريقي منتصف نهار امس الاول العشرون من اغسطس 2014 الي شاتام هاوس في لندن كانت كل الافكار التي تدور في خلدي متمحوره حول شيئ واحد. حظي الذي ساعدني في العثور علي مقعد في جلسة الاستماع المغلقه للسيد ياسر عرمان وبذلك سالتقي وجها لوجه وعن كثب بشخصيه لا تقل قامه عن كل الشخصيات الخالده التي اطلعت عليها في التاريخ القديم. غاندي او جيفارا, نيكروما او حتي مانديلا لم تكن سوي شخصيات ملهمه لاناس غيري, اما ياسر فبالاضافه الي كونه ملهما لامثالي داخل وخارج السودان, فاعتبره في نظري اكبر منهم لانه يعيش الان مناضلا ضد اقسي نظام عرفه التاريخ المعاصر, وقد ظل ثابتا في موقفه لا يتزحزح ابدا. تمنيت في تلك اللحظات لو كان يسير بجانبي صديقي ابوعركي البخيت ليكون شاهدا علي هذه اللحظه التاريخيه في حياتنا سويا.


عندما كتبت عن الرجل عده مقالات من قبل, او عندما اعطيته صوتي في انتخابات 2010 قبل انسحابنا منها (بالمناسبه بعد الانسحاب ذهبت الي مركز الاقتراع لسحب صوتي) اوفي تلك اللحظات التي كنت ادخل في معارك فكريه مع الذين يكرهونه داخل السودان لانه كان منافسا شرسا وشريفا في تلك الانتخابات, لم اكن قد التقيت به او كان لي شرف الحديث معه. كل الذي كنت اعرفه عنه انه رجل صادق وشريف وجرئ. وكسوداني مثقف كنت بدوري ابحث عن الشرف والصدق والجرأه وسط كل السياسيين الذين كانو يملأون الساحه. وقد كانت هذه سانحه لا بد من استثمارها لمقابلته لاري ان كنت علي حق ام علي باطل. كنت اريد ان اري بوضوح ملامح الرجل خلف الاسوار المظلمه التي لفها حوله النظام وزبابينه في الخرطوم.


وجوه كثيره ومختلفة الالوان ملأت القاعه الضيقه وقد حجزو اماكنهم قبل وقت كاف من بدا (جلسة الاستماع) هذه. كانت كل الوجوه بلا استثناء في حالة ترقب مشوب بالاثاره لدخوله وقد كنت انا اولهم. فبطاقه ياسر الشخصيه تختلف عن كل بطاقاتنا. الا يكفي انه ابن الشمال المتزوج من ابنة الجنوب الشئ الذي اعتبره قمة الولاء لتراب الوطن قبل الانفصال وبعده لانه بذلك كسر طوق العنصريه القذره الملتف حول ارواحنا؟ فاذا كان هو الشمال وكانت هي الجنوب, فابنتيه تحملان جينات الشمال والجنوب معا. اذن نحن امام رب اسره سودانيه اصيله.


في لحظة دخوله لف المكان صمت نبيل وتلاقت نظراتنا المتعطشه حول وجهه. تمنيت لو كنت جالسا قبالته حتي اجد الفرصه لاري بدقه خريطة وجهه لانني كنت اريد ان اري فيه تقاطيعه دروب رحلاته النضاليه التي بداها عندما كان النضال مجرد قصص تحكي في الندوات السياسيه. كانت نظراتي طيلة الجلسه مثبته علي وجهه لانني كنت اريد ان اتطلع علي اشياء كثيره وهامه بالنسبه الي. فقد كنت اريد ان اري اثار نظرات جون قرنق المرسومه علي حبات الغبار العالقه بين مسامات وجهه المتعب. كنت اريد ان اري بصمات مالك عقار وعبد العزيز الحلو ومني وجبريل والشهيد خليل المرسومه علي ملامس يديه. وسالت نفسي. كيف يمكن ان يحكم علي هذا الرجل بالاعدام وكل مايملك افكاره النيره وقلبه الصافي وجرأته؟ حتي عندما قام احد اعضاء السفاره السودانيه باستفزازه, لم يحرك ساكنا وانما قال له بشئ من السخريه وبفكر نير وقلب صافي وجرئ ان السفارات قد عهدها مركزا للدبلوماسيه والعمل السلمي المدني فكيف تحولت الي ساحة للصراع السياسي.


اكثر مالفت انتباهي في الوجهه المتعب امامي اثار المعارك الفكريه والسياسيه والحربيه التي خاضها طيله السنوات الماضيه. تعجبت له كيف استطاع في حديثه وردوده علي الاسئله الساخنه التي طرحت عليه المحافظه علي رباطة جاشه والجالس الي يساره ممثل لحكومه الافك التي حكمت عليه بالاعدام. ولكنني لم اتعجب (لرجل السفاره) الجالس يساره رغم نظراته المتكبره المستفذه لمشاعرنا جميعا. وهل يوجد تعجب في دعوة الاستفذاذ التي قدمها لياسر للذهاب الي الخرطوم للحوار رغم علمه ان ورقة حكم الاعدام يحملها رجل البوسته الواقف خلف الباب؟ الا يعلم هذا الرجل انه يجلس بالقرب من "رجل ميت يتحدث"؟


عندما تقدمت الي ياسر عرمان في نهايه الجلسه وممدت يدي اليه تركها ممدوه وقام بحضني احسست لحظتها كانني احتضن السودان كله بانهاره وغاباته ووديانه. شممت في كتفه رائحه غابات الجنوب المبلله بحبات المطر ورائحة المانجو المتساقطه في طرقات ولاية النيل الازرق الضيقه وتنسمت عبير اشعه شمس كاودا المحترقه علي اطراف رقبته. وعرفت لحظتها بانني (انا) الرجل المحكوم عليه بالاعدام وليس هو, واننا (نحن) الحالمين بالحريه والباحثين عنها لن نتنسم عبيرها الا اذا تجمعنا في كتله واحده طالبت بانتخابات حره ونزيهه لنختاره فيها رئيسا للسودان فهو احق منا بذلك لان السودان ساكن داخله ويراه يوميا في عيون زوجته وابنتيه.


Follow me in twitter@elrazi_elrazi



elrazi@hotmail.com

البدايه



كل المطلوب شباب يؤمنون بالقضيه. تعبنا من السياسين الذين يلهثون وراء مصالحهم الشخصيه.انظرو الي د منصور خالد قبل اتفاقيه نيفاشا وانظرو اليه الان. حضر الي الخرطوم وعاش في ملذاته كانه كان يعارض من اجل هذا.

كل الذي نريده مجموعه من الشباب مؤمن بالقضيه..والقضيه هي القضاء علي الكيزان بصوره نهائيه في السودان..الرجاء الاجتماع سويا لمعرفه كيفيه عمل ذلك بشرط ان تكون مؤمن يالقضيه والا سنكون مثلنا مثل منصور خالد. البدايه هي الصمود في وجه الظلم الحاصل الان. سنقوم بالدعم الخارجي للمجموعه مهما كلفنا ذلك