Translate

السبت، 23 أغسطس 2014

ابوعركي البخيت البخيت



بجانب منتزه ناشونال مول في العاصمه واشنطون اقيم النصب التذكاري لحرب فيتنام. يتكون من جدران مصنوعه من المعدن كتبت عليه في صفوف متراصه اسماء الجنود القتلي والمفقودين في الحرب.  مع نهايه كل اسبوع وفي موسم الاجازات تاتي العائلات التي فقدت محبيها الي الصرح وتقف امام الحائط  المكتوب عليه اسم فقيدها. كم راينا من اجداد واحفاد, ابناء وبنات, زوجات وازواج يمررون اصابعهم بحنو شفيف فوق الاسم فتندلق دموعهم انهارا, كأن مرور الاصبع علي المعدن يوازي عناق الجسد مع الجسد. 

وانا طالب ثانوي في سنتي الاخيره بامدرمان في العام 1974 كنا نسكن معا. ابوعركي وانا. لم يكن الذي يجمعنا سويا المنزل الذي عشنا فيه في ودنوباوي فقط, وانما صلة القربي كانت ايضا تجمع بيننا. اما الحب فذلك شئ اخر. وعندما تقدمت السنين بطيئه وتم قبوله طالبا بمعهد الموسيقي والمسرح كانت تلك ايام الفرح الكبير. فاصبحنا صديقين حميمين يجمعنا الصالون الانيق, والبيانو قابعا بكل شموخ في ركن قصي. وعشنا سويا تفاصيل بخاف, جبل مره, امدرمان, ,عن حبيبتي انا بحكي ليكم وواحشني.

كان عندما يحضر اليه خليل اسماعيل وتبدا مناقشاتهم في الفن (بالنوته)  يدعوني لابداء راي في الاغنيه المنوته, وكنت دائما ماقول لهم بلا وعي انني لا اعرف الفرق ولكن هنالك اغنيه تطربني بغض النظر عن كيفية صناعتها. مالاانساه طعم التانج الذي كان يشتريه من الدكان بمبلغ خرافي عندما اصاب بالملاريا فيجلس بجانبي يغطيني خوفا من زمهريرها والدموع في عينيه.

ومع مرور السنوت الطويله ونحن نبحر في محيطات الحياة كان كل مايجد رقما لي يتصل ويقول بصوت ملائكي (لو كنته ناكر للهوي زيك كنته غفرته ليك) ثم يضع السماعة.

الاسبوع الماضي تقابلنا في مقابر مدني في دافنة شخص عزيز علينا الاثنين. وكعادة اهل مدني, ذهبنا مشيا علي الاقدام الي المقابر. كان يضع يديه في كتفي ويسالني عن كل اصدقائي القدامي فردا فردا. برقته المعهوده. وقفنا امام القبر وصمت مطاطئا راسه. تاملته عن قرب ورايت الحنان والطيبه متدفقتان من علي وجهه واثار السنين تتواري خجلا. وتمنيت في تلك اللحظات ان تعيد الحياه دورتها الي الوراء. .

اليوم, رايت صورته تزين المواقع الالكترونيه امامي في حفل الدوحه, وبدون ان اشعر حجبت دموعي الرؤيا. تذكرت كل لحظه عشناها معا حتي تفاصيل حبه العذري لأمنا الحنون عفاف الصادق. رايت تلك الابتسامه الحانيه تزين شفتيه فاصابتني رعشه مملوءه بالحزن. ياعركي ياخ والله نحنا بنحبك بشكل رهيب.

في السنوات الكالحه الحزينه التي سكنتنا في الماضي, كانت كل اغاني ابوعركي (صرحا معدنيا) كتبت عليه تفاصيل الوطن واشياءه. ونحن فاقدي الهويه كل في منفاه, كانت نبضات قلوبنا تلامس صوته الحنون  فيعزف الناي داخلنا سمفونيه ابديه حزينه شاركت, كل هذه المده الطويله, روحنا دهاليز الجسد.

elrazi@hotmail.com

follow me in twitter@elrazi_elrazi

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق