Translate

الاثنين، 29 سبتمبر 2014

سفينة الارقاء


يجلس سيّدي فان كُوك، كبير الشحن، في 
مقصورته، وهو يحصي مقدار الشحنة 

.والعائد المأمول

المطاطُ جيّدٌ، وكذلك الفلفل. ثلاثمائة زكيبة 
وبرميل، وبحوزتي مسحوق الذهب والعاج، 
لكنّ البضاعة السوداء هي الأفضل.

ستمائة زنجي اقتنيتهم بثمن بخس على نهر 
السنغال. قاس لحمهم، ومفتولة عضلاتهم كأنهم
قُدّوا من حديد متين. 


قايضتهم بالبراندي والخرز والمصنوعات . 
الحديدية. سوف تعود عليّ الشحنة بربح
مضاعف ثمانمائة مرّة ، حتّى لو تبقّى 
لي النصف أحياء. 

حتّى لوتبقّى لي ثلاثمائة فحسب عند ميناء ريو دي 
جانيرو، فسوف أحصل على مائة دوكات لقاء كلّ 
رأس من غونزاليس بيريرو .


عندها يُنْتَزعُ السيّد فان كُوك من أحلام يقظته بغتة، 
إذ يدخل عليه فان دير سميسَن، الطبيب الجرّاح
على متن السفينة. 


وهو شخص نحيف يابس البدن، تنتشر على أنفه
الثآليل. والآن ياطبيب السفينة، أخبرني كيف 
حال أحبابي السود ؟. 

فيشكره الطبيب على سؤاله مجيباً : إنّما جئت
لإخطارك بأنّ الوفيّات في تزايد ملحوظ. 

في المتوسط يموت كل يوم اثنان، أمّا اليوم فقد 
مات سبعة، أربعة رجال، وثلاث نساء - قيّدتُُ
خسارتهم في السجلّ على الفور. 

دقّقتُُ عند فحصي للجثث، لأنّ بعض هؤلاء
الأنذال يتظاهرون بالموت لنلقي بهم في
الأمواج.

ثمّ خلعتُ من الجثث أصفادها، ورميتها في
البحر عند الفجر. 

فانقذفت من التيار مجّدداً أسماك القرش زرافات.
هي متقاعداتي المولعات بلحم الزنوج. 

تقتفي هذه الضواري مسار سفينتنا منذ مفارقتنا 
للساحل، فهي تشتمّ عفونة الجثث، بشهيّة الافتراس. 

مضحك أن تراها كيف تبتلع الجثث!. تلتقط الرأسَ 
إحداها، فتقضم الثانية القدم، أمّا الأخريات فتزدرد
بقيّة الجثّة. 

حتّى إذا ماقُضِي على كلّ شيء، طافت بهيكل 
السفينة وثباً وهي تبحلق فىّ كمالو أنّها تشكرني
على طعام الإفطار.

لكنّ فان كُوك يقاطعه متنهّداً : كيف أوقف
زحف الشر؟، وكيف أقلّل من الوفيّات في 
السفينة ؟. 

فيجيبه الطبيب : وحدهم السود يتحمّلون وزر وفاة
الكثيرين منهم، فأنفاسهم الزنخة قد أفسدت الهواء
في جوف السفينة.

وقضى منهم الكثيرون بسبب الكآبة وهم يغرقون
في السآمة. ببعض الهواء العليل، والموسيقى، 
والرقص يمكن مداواة السقم. 

فيهتف فان كُوك : إنّ هذه لنصيحة جيّدة!. 
طبيب سفينتي الغالي حكيم كأرسطوطاليس، 
معلّم الألكسندر. 

رئيس قسم ديلفت لأصحاب مشاتل التوليب 
رجل حكيم، ومع ذلك فهو لايضاهيك عقلاً.

موسيقى! موسيقى! هنا على السطح سيرقص
السود. ومن لايستطيب الرقص منهم، سيذوق
لسع السياط.

(2)

في أعالي السماء الزرقاء تبحلق آلاف الأنجم 
مشعّةً في لهفة، كبيرةً وبديعةً كأعين الحسناوات.

من عُلاها تطلّ على البحر المغطّى ،على مدّ
البصر بهالة فوسفورية أرجوانية، والمصطخبة
أمواجه في شبق. 

لا شراع يرفرف بأعلى سفينة الأرقّاء التي 
جثمت منهكة، ومع ذلك تتوّهج على ظهرها 
مصابيح ، وتتفجّر فيها موسيقى راقصة. 

يعزف الربّان على الربابة،
وعلى الناي يعزف الطاهي، 
وينقر صبي السفينة على الطبل،
وينفخ الطبيب في البوق. 

فهلّل مائة من الزنوج من ذكر وأنثى، ثمّ وثبو 
وداروا، وكلما تتسع الدورة، عند كل وثبة، 
تصلصل سلاسل القيود.

يضربون الأرضية السفينة برغبة عارمة. 
وتعانق في شبق بعض الجميلات من السود
بين شركائهن عراةً بين الآهاتْ. 

الجلّاد هو سيّد المتعة. 
ضربات سوطه تحفّز العازفين عن الرقص،
وتدفعهم للابتهاجْ. 

تجتذب ضوضاء المعازف وحوش الماء من 
القيعان حيث تنام. 

وسنانةً تدنو من السفينة مئات من أسماك 
حيرى.

تلاحظ أنّ موعد الافطار لم يحن بعد، فتفغر
أفواهها مبرزةً فكوكاً محتشدة بأسنان منشارية.

مع ضوضاء المعازف لاسبيل لكبح الراقصين،
وترى أسماك القرش تفقد الصبر وتعضّ أذيالها. 

أعتقد أنّها لاتهوى الموسيقى، شأنها شأن العديد
"إحذر من الوحوش. الوحش الذي لايحبّ 
الموسيقى"!، قال أعظم شعراء إنجلترا.

ليس للرقص نهاية مع ضوضاء الموسيقى. 
إلى جانب الصارية الأماميّة يقف سيّدي فان 
كُوك طاوياً كفّيه في ضراعة : 

لأجل المسيح، ياربّاه، أبقِ على حيوات السود
الآثمين. فإن كانوا قد أثاروا حفيظتك، فأنت
تعلم أنّهم كالأنعام أغبياء .

لأجل المسيح الذي مات لأجلنا، حافظ عليهم،
لأنّه إن لم يبق لي منهم ثلاثمائة رأس، فسوف 
يحلّ بعملي الخراب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق