معظم
الرسائل التي وردتني تعقيبا علي موضوع (ابوعركي البخيت) الذي كتبته في الراكوبه
بتاريخ 2 فبراير 2014 تحمل نفس السمات. حبها الدفاق للانسان الملائكي عركي, حسرتها لعدم الاستمتاع باغانيه علي القنوات الفضائيه واحساسها بالذنب
لانهم لا يستطيعون ان يفعلوا شيئا حيال ذلك. ومن بين الرسائل وجدت رسالة خجولة اجبرتني علي قراءتها اكثر من مرة. الرسالة من الاخ عادل عثمان عوض جبريل
والذي كان يسكن خلف منزلنا في ودنوباوي. المنزل
الذي عرفه اولاد الحله بعربة ابوعركي الاوبل البنيه. ولتلك العربه قصة. فقد احضرها
عركي معه من المانيا في احدي رحلاته الخارجيه, وقد حكي لي انه قبل ان يشتريها كانت
تقف في موقف للسيارات وزجاجها مغطي بالجليد. فقام بكتابة (احب عفاف الصادق) في
الزجاج الامامي. حكي لي تلك الواقعه بصدق طفولي.
وقد كانت تلك العربه حبيبه الي نفسه ونفسي لاننا كنا مع نهايه السبعينينات
نعيش فيها اكثر من المنزل بجلوسنا الساعات الطوال داخلها ايام صفوف البنزين
ومعاناتها المعروفه لابناء جيلنا. ولكن ماكان يخفف علي نفسي, دندنة عركي فرحا
باغنية (واحشني) الجديده. الاخ عثمان وهو
قاص, ارسل لي احد كتبه القيمه كهديه لتكتمل بركات عركي علينا.
سبب استرسالي في حكايات عركي ان بعض الاخوه, وبعد قراءتهم لمقالي الاول طالبوني (بحكم علاقتي الوطيده معه في تلك الفتره) ان اواصل قدر مااستطيع سرد لكل الحكايا التي اتذكرها عن تلك الفتره. فهو بالنسبه لمحبيه مسجون في وسط الصحراء. وقد تمنيت ان يكون عركي هو من يسرد حكاياه في القنوات الفضائيه لان ذلك سيكون سردا ملائكيا واثراءا لتاريخنا الفني ايضا الذي يمثل عركي احد ركائزه. فصديقي موسوعه في الحكايات. والكلمات التي تطلع من فمه موسيقاها لا تقل طربا عن اغانيه.
وتلبية لطلب كل القراء ومحبيه اهدي هذه القصه التي حكاها لي بنفسه ونحن في لحظه استرخاء مهيب نجتث ذكرياتنا الحبيبه الي نفسينا. ربما يكون غيري قد سمعها منه من قبل, ولكن ليس بحلاوتها التي شدتني وجعلت روحي تسبح كرائد فضاء خارج مركبته.
قال لي انه ومع بداية مقاطعته للاجهزه الرسميه, قرر اعتزال الغناء نهائيا فاصبح عاطلا عن العمل. وقد كانت زوجته (عفاف الصادق) تعمل في الاذاعه السودانيه وتتقاضي مرتبا لا يكفي لتغطيه ضروريات الحياه, وعندما تراهم سويا تحسبهم (اغنياء من التعفف). كانت ايامه تسير ببطء شديد, وكان كل يوم يذهب بزوجته الي الاذاعه ويقف بعربته تحت الشجره المعروفه باسمه وينتظرها حتي نهاية الدوام فيعودا سويا الي المنزل. ونسبه لان منزل ودنوباوي كان مؤجرا, فقد قرر ان يشيد قطيه في القطعه التي اشتراها في حي الحتانه اعلي الجبل. وقد كانت (الحاتانه) كما كان يسميها بعيده وغير مأهوله بالسكان.
في عصر احد الايام وهو في قطيته الرطبه مؤانسا زوجته بعد يوم عمل شاق, سمع طرقا بالباب. فقال لي, عندما فتح الباب وجد رجلا يقف امام عربة تاكسي اصفر ويلبس جلبابا متسخا عند مدخل جيوبه . وسأله الرجل: "هل انته ابو عركي البخيت؟" فاجبته. فادخل الرجل يده داخل العربه واخرج كيس ورق مليئا باوراق نقديه كبيرة القيمه حتي عنقه. فقلت له ماهذا؟ فاجاب الرجل بان هنالك رجل اوقفه في الشارع التاني ووصف له منزلي وطلب منه توصيل هذا الكيس لي.
احتار عركي, ولكن حيرة زوجته كانت اكبر عندما احست وهي بالداخل ان زوجها قد تاخر في الدخول. فجاءت مسرعه الي الباب لتكتمل حيرتهما معا. فحكي لها عركي الحكايه ليقولا للرجل بصوت واحد انهم لا يستطيعون اخذ الكيس لانهم لا يعرفون من ارسله ورغم انهما لا يملكان في تلك اللحظات سوي فتة سلطه طماطم معجونه بالكسره برعت عفاف في صناعتها. فالتكرار يعلم الاتقان. وبعد جدال طويل مع الرجل قالت له عفاف ان الرجل مجرد مرسال, فيمكننا اخذ الكيس ومعرفة مرسله لاحقا.
وبعد نقاش طويل تحت القطيه, توصلا الي نتيجه واحده وهي ان الراسل لابد ان يكون صلاح ادريس. فهدأت نفسيهما قليلا وقررا عدم التصرف في الكيس الي ان يلتقيا بصلاح ويسالاه. وبعد فتره ليست بالقصيره والكيس قابعا في مكانه داخل المنزل ليس بعيدا من صحن السلطه, تقابل عركي وصلاح فحلف له الرجل باعز مايملك ان لا علاقه له اطلاقا بهذا الموضوع. والي هذه اللحظه, لا يعرف عركي اوعفاف, من ارسل الكيس المنتفخ مالا.
اخاف
ان ينزلق عركي من بين اصابعنا كما انزلق كل الذين نحبهم, ويصبح بعدها مجرد ذكري
نبكي عليها ليل نهار. دعونا نتناسي ولاة الامر فانهم لا يعرفون في (الامر) شيئا. ولنبدا
المسير صوب منزله لنقدم له اكياسا من العرفان والموده الخالصه, رغم ان المسيرات
ممنوعه في بلدي حتي لو كانت مسيرة حب.
تصويب: انا ياجماعه لابتاع مفوضيه الفساد ولا ولدو. " نحنا بتوع الاتوبيس".
elrazi@hotmail.com
follow me in twitter@elrazi_elrazi
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق