وانا في طريقي منتصف نهار امس الاول العشرون من اغسطس 2014 الي شاتام هاوس في لندن كانت كل الافكار التي تدور في خلدي متمحوره حول شيئ واحد. حظي الذي ساعدني في العثور علي مقعد في جلسة الاستماع المغلقه للسيد ياسر عرمان وبذلك سالتقي وجها لوجه وعن كثب بشخصيه لا تقل قامه عن كل الشخصيات الخالده التي اطلعت عليها في التاريخ القديم. غاندي او جيفارا, نيكروما او حتي مانديلا لم تكن سوي شخصيات ملهمه لاناس غيري, اما ياسر فبالاضافه الي كونه ملهما لامثالي داخل وخارج السودان, فاعتبره في نظري اكبر منهم لانه يعيش الان مناضلا ضد اقسي نظام عرفه التاريخ المعاصر, وقد ظل ثابتا في موقفه لا يتزحزح ابدا. تمنيت في تلك اللحظات لو كان يسير بجانبي صديقي ابوعركي البخيت ليكون شاهدا علي هذه اللحظه التاريخيه في حياتنا سويا.
عندما كتبت عن الرجل عده مقالات من قبل, او عندما اعطيته صوتي في انتخابات 2010 قبل انسحابنا منها (بالمناسبه بعد الانسحاب ذهبت الي مركز الاقتراع لسحب صوتي) اوفي تلك اللحظات التي كنت ادخل في معارك فكريه مع الذين يكرهونه داخل السودان لانه كان منافسا شرسا وشريفا في تلك الانتخابات, لم اكن قد التقيت به او كان لي شرف الحديث معه. كل الذي كنت اعرفه عنه انه رجل صادق وشريف وجرئ. وكسوداني مثقف كنت بدوري ابحث عن الشرف والصدق والجرأه وسط كل السياسيين الذين كانو يملأون الساحه. وقد كانت هذه سانحه لا بد من استثمارها لمقابلته لاري ان كنت علي حق ام علي باطل. كنت اريد ان اري بوضوح ملامح الرجل خلف الاسوار المظلمه التي لفها حوله النظام وزبابينه في الخرطوم.
وجوه كثيره ومختلفة الالوان ملأت القاعه الضيقه وقد حجزو اماكنهم قبل وقت كاف من بدا (جلسة الاستماع) هذه. كانت كل الوجوه بلا استثناء في حالة ترقب مشوب بالاثاره لدخوله وقد كنت انا اولهم. فبطاقه ياسر الشخصيه تختلف عن كل بطاقاتنا. الا يكفي انه ابن الشمال المتزوج من ابنة الجنوب الشئ الذي اعتبره قمة الولاء لتراب الوطن قبل الانفصال وبعده لانه بذلك كسر طوق العنصريه القذره الملتف حول ارواحنا؟ فاذا كان هو الشمال وكانت هي الجنوب, فابنتيه تحملان جينات الشمال والجنوب معا. اذن نحن امام رب اسره سودانيه اصيله.
في لحظة دخوله لف المكان صمت نبيل وتلاقت نظراتنا المتعطشه حول وجهه. تمنيت لو كنت جالسا قبالته حتي اجد الفرصه لاري بدقه خريطة وجهه لانني كنت اريد ان اري فيه تقاطيعه دروب رحلاته النضاليه التي بداها عندما كان النضال مجرد قصص تحكي في الندوات السياسيه. كانت نظراتي طيلة الجلسه مثبته علي وجهه لانني كنت اريد ان اتطلع علي اشياء كثيره وهامه بالنسبه الي. فقد كنت اريد ان اري اثار نظرات جون قرنق المرسومه علي حبات الغبار العالقه بين مسامات وجهه المتعب. كنت اريد ان اري بصمات مالك عقار وعبد العزيز الحلو ومني وجبريل والشهيد خليل المرسومه علي ملامس يديه. وسالت نفسي. كيف يمكن ان يحكم علي هذا الرجل بالاعدام وكل مايملك افكاره النيره وقلبه الصافي وجرأته؟ حتي عندما قام احد اعضاء السفاره السودانيه باستفزازه, لم يحرك ساكنا وانما قال له بشئ من السخريه وبفكر نير وقلب صافي وجرئ ان السفارات قد عهدها مركزا للدبلوماسيه والعمل السلمي المدني فكيف تحولت الي ساحة للصراع السياسي.
اكثر مالفت انتباهي في الوجهه المتعب امامي اثار المعارك الفكريه والسياسيه والحربيه التي خاضها طيله السنوات الماضيه. تعجبت له كيف استطاع في حديثه وردوده علي الاسئله الساخنه التي طرحت عليه المحافظه علي رباطة جاشه والجالس الي يساره ممثل لحكومه الافك التي حكمت عليه بالاعدام. ولكنني لم اتعجب (لرجل السفاره) الجالس يساره رغم نظراته المتكبره المستفذه لمشاعرنا جميعا. وهل يوجد تعجب في دعوة الاستفذاذ التي قدمها لياسر للذهاب الي الخرطوم للحوار رغم علمه ان ورقة حكم الاعدام يحملها رجل البوسته الواقف خلف الباب؟ الا يعلم هذا الرجل انه يجلس بالقرب من "رجل ميت يتحدث"؟
عندما تقدمت الي ياسر عرمان في نهايه الجلسه وممدت يدي اليه تركها ممدوه وقام بحضني احسست لحظتها كانني احتضن السودان كله بانهاره وغاباته ووديانه. شممت في كتفه رائحه غابات الجنوب المبلله بحبات المطر ورائحة المانجو المتساقطه في طرقات ولاية النيل الازرق الضيقه وتنسمت عبير اشعه شمس كاودا المحترقه علي اطراف رقبته. وعرفت لحظتها بانني (انا) الرجل المحكوم عليه بالاعدام وليس هو, واننا (نحن) الحالمين بالحريه والباحثين عنها لن نتنسم عبيرها الا اذا تجمعنا في كتله واحده طالبت بانتخابات حره ونزيهه لنختاره فيها رئيسا للسودان فهو احق منا بذلك لان السودان ساكن داخله ويراه يوميا في عيون زوجته وابنتيه.
Follow me in twitter@elrazi_elrazi
elrazi@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق